السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول البعض أن الفكرة نصف النجاح، مع أن هذا ليس صحيحٌ تمامًا، لكن الفكرة تبقى الخطوة الأولى لأي مشروع، لذلك نجاح المشروع يبدأ باختيار فكرة جيدة.
في تطوير الألعاب، يصعب إيجاد فكرة جديدة للعبة، لأنه يتم نشر مئات الألعاب يوميًا، فاحتمال الاتيان بفكرة جديدة كليًّا يكاد يكون معدومًا.
ولكن لحسن الحظ، ليس عليك الاتيان بفكرة جديدة لم يسبق لها مثيل، فمعظم الألعاب الناجحة اقتبست محورها من ألعاب أخرى.
لذا سوف أطلعك على بعض الأساليب والنصائح لتأخذها بعين الاعتبار عند تحديد فكرة لعبتك الأولى.
أولاً، اعطِ للفشل مجالاً
لا أقصد الإحباط من البداية، ولكن فقط التذكير بجعل الفشل احتمالية ووضع خطة بديلة في حالة حدوثها.
أعني بالفشل أن تكتشف بعد اختيار فكرة للعبة وتجريبها أنها ليست جيدة وتحتاج للتعديل والتغيير..
وفي الحقيقة، هناك احتمال كبير أن يحصل ذلك لأول لعبة لك.
السبب هو أن الكثير من المطورين، مثلي، يتمنوّن النجاح من أول لعبة، ولكن عندما لا تنجح، يصابون باليأس، لأن طموحاتهم كانت كبيرة وكانوا متعلقون بها كثيراً.
لذلك من الأفضل اجتناب هذا الأمر من البداية ووضع الفشل في الحسبان.
وأيضًا، بالسماح لنفسك بالفشل، سوف تسمح لنفسك أن تجرب أفكار غريبة لألعاب جديدة، مما يعطيك مجالأً أكبر للإبداع.
قَيِّد مجال الأفكار – لتبدع أكثر
لتسهيل عملية تكوين أفكار لألعاب مميزة، يجب تضييق نطاق البحث، واختيار موضوع معين مثل: “سباق”، “قصة عميقة تتمحور حول القتال”، “البحث عن كنز في أعماق البحار” .. الخ.
كي نفهم السبب من ذلك، لنلاحظ ماذا يحدث في المسابقات:
معظم المسابقات في أي مجال تحدد موضوع معين (theme) ليتم التنافس فيه..

فعند تحديد موضوع ما، البحث عن أفكار تتمحور حوله يصبح أسهل، وستستطيع الحصول على فكرة بسرعة.
وعلى عكس ما يظنه الكثيرون، هذا التضييق في النطاق يساعد على الإبداع، لأنه كلما ضاق بك الحال، زادت قدرتك وحاجتك للتفكير العميق.
وأيضًا، بعد تحديد الموضوع، بإمكانك التفكير بأساليب اللعب المحتملة لفكرة لعبتك، وتجربتها كلها عن طريق بناء نُسَخ تجريبية للأفكار.
وأثناء تجربة الألعاب، قد يخطر ببالك أفكار جديدة لم تكن لتخطر ببالك لولا أنك بدأت بصناعة النسخة التجريبية.
وأعتقد أنه غالبًا يوجد نمط معين من الألعاب تريد صناعة لعبة له، أو على الأقل لديك فكرة بسيطة عن نوع الألعاب التي تريد صناعتها، لذلك لن يصعب عليك أمر اختيار موضوع.

ادمج بين نمطين مختلفين
معظم مصممي الألعاب ينصحون بتحديد نمطين مختلفين للألعاب، أو أسلوبَي لعب مختلفين، ودمجهما مع بعض بفكرة للعبة.
مثل أن تدمج أسلوب لعب السيارات مع لعبة كرة القدم، لتحصل على Rocket League،
أو تدمج نمط حل الألغاز مع ألعاب المِنصات Platformers لتحصل على Limbo، أو Portal، فهي جمعت زاوية نظر الشخص الأول مع قصة غامضة بألغاز كثيرة لحلها.
السبب أن هذه الطريقة تنجح غالبًا.. هو أن الألعاب الناجحة تستخدمها ! لا، أعني، هناك أسباب تجعل الشركات تدمج أنماط مختلفة في ألعابها:
- لكسب جمهور أكبر – لنفترض أن نصف اللاعبين يحبون ألعاب القتال، والنصف الآخر يحب ألعاب الرياضة، ماذا سيحدث إذا صنعت لعبة تدمج النمطين؟
- فرصة أكبر للإبداع – معظم الألعاب تعتمد نمط واحد فقط في اللعبة كاملة، لذلك من الواضح أن فرصتك في التميز ستكون أكبر.

عصف ذهني؟ فكر مرتين
(قد أفترض أن القارئ يعمل في فريق ما و أذكر في عدة مرات كيفية التعامل معه، لكن النصائح تنطبق نفسها للمطورين المنفردين)
نريد حل لمشكلة ما؟ لنبدأ بالعصف الذهني، نريد حل أفضل؟ لنقم بعصف ذهني، نريد فكرة مميزة للعبة؟ عصف ذهني.
نسمع هذه الجملة كثيرًا، لكنها للأسف تستخدم بأسلوب خاطئ كثيرًا، لأننا لم نفهم كيف يعمل العصف الذهني تحديدًا.
ما يحدث غالبًا هو أننا نحدد موعد يجتمع فيه أفراد الفريق، ونحدد مدة زمنية للاجتماع، ونقوم بكتابة هدف بخطٍّ طويلٍ عريض: “الحصول على فكرة مميزة خلال نصف ساعة لنبدأ بها غدًا”
هذا الأسلوب خاطئ لأسباب:
- أنت لا تستطيع تحديد وجدولة الإبداع والابتكار – فالأفكار لا تأتي عندما تطلب منها ذلك، ولا يمكن لي مثلاً أن أؤجل ظهور الأفكار في ذهني حتى موعد محدد.
- الحصول على فكرة من الفراغ أمرُ صعب، وبخاصة إذا لم يتم تحديد موضوع أو مجال للعبة حتى عند بداية الجلسة.
- أو إذا كنت في فريق، ولم يسمع أعضاء الفريق بموضوع اللعبة إلّا عند بداية الجلسة…
لا أستطيع اختراع لعبة خارقة في نصف ساعة، من دون أن أفكر سابقًا بموضوع الفكرة.
- كعضوٌ في فريق، ماذا إذا وجدتُ فكرة مميزة بعد 10 دقائق من انتهاء الجلسة؟ أعتقد أنني قد أنساها.
لذلك، أقترح تغيير طريقة العصف الذهني واتباع النصائح التالية:
- حدد موضوع اللعبة قبل البدء بجلسة العصف الذهني – وأخبر أعضاء فريقك به.
- اختر فكرة معينة لتناقشها في الجلسة، واسأل أسئلة مثل: هل هي ممتعة؟ ما هي عيوبها؟ كيف يمكن تطويرها؟
- لا تجعل موضوع الجلسة عام ك”الاتيان بفكرة رائعة مميزة”، ولكن اجعله محدد أكثر، “الاتيان بفكرة للعبة على الحاسب بنمط لعب المغامرة موجهة للشباب الصغار” مثلاُ.
- لا تعجل بالإجابات، اطرح الأسئلة والأفكار واطلب من الجميع المشاركة، ,ولكن اجعل خيارك النهائي بعد جلسة أو عدة جلسات أخرى، لأنه يمكن لك أن تجد فكرة جيدة بعد عدة أيام أثناء اللعب على Fortnite ، مثلاً.
ابحث عن مصادر للإيحاء
بإمكانك إما الاعتماد على الألعاب المتوفرة، أو أعمال فنية أخرى كالرسم والقصص.
1) الألعاب:
هل هناك لعبة ما تُعجبك، ولكن تريد اللعب فيها بأسلوب مختلف؟ هل هي تحتوي على مشاكل معينة تريد إصلاحها؟

هلى تريد إضافة مميزات جديدة لها؟ أم تريد تغيير محور القصة والإبقاء على أسلوب اللعب؟
بعض الألعاب ظهرت عن طريق هذه العملية: البحث عن لعبة ما والتعديل على فكرة أسلوب اللعب أو القصة أو النمط فيها، ثم صناعتها ونشرها بحلة جديدة.
بالطبع، يجب الحذر من تقليد اللعبة ذاتها، واحترام فكرتها وشخصياتها، واحترام اللاعبين بعدم تكرار لعبة متوفرة مرة أخرى.
للبقاء على الجانب الآمن، يجب تغيير أشكال التصاميم وأسلوب الرسم والعرض بقدر الاستطاعة، وبخاصة الشخصيات.
ومحاولة تعديل على أسلوب اللعب بقدر الاستطاعة أيضًا.
قد ينتقدني البعض بأن التقليد فكرة سيئة، وأنها لن تثمر نتائج محرزة في النهاية:
أقول بأنني لا أشجع على تقليد الألعاب أبدًا، ولكن أخذ بعض الأفكار منهم، مثل تطبيق بعض الأساليب والمميزات المتوفرة فيهم، فمعظم الألعاب تفعل ذلك…
أعني، هل ستقول بأن OverWatch هي تقليد ل CS GO فقط لأنها تحتوي على نمط لعب Deathmatch وآلية الإطلاق بالأسلحة؟
وفي النهاية، هذه مرحلة ابتكار فكرة، وغالبًا سوف تٌعَدّل فكرة اللعبة كثيرًا أثناء تطوريها (العمل عليها).

2) الرسم:
بإمكانك البدء برسم كل ما لديك من أفكار عن الموضوع أو النمط الذي (يُفترض) أنك اخترته للعبتك..
وأثناء الرسم، رتب ونظم كل ما ترسمه لتستطيع العودة إليه لاحقًا.
الأهمية من ذلك هي أن الرسم يساعد في إزالة الغموض عن الأفكار وجعلها واضحة، مما يجعل عملية تحديد فكرة اللعبة وأسلوبها أسهل أسرع.
فمثلاً، بعد الرسم، إذا أعجبك وجود بيئة طبيعية كالغابة في الخلفية، وأردت جعل اللعبة ثنائية الأبعاد، ورسمت شخصية واقعية نوعًا ما..
بإمكانك الاستنتاج أن أسلوب لعب ال Platformers سوف يكون مناسبًا كنقطة بدء لفكرة اللعبة.
وإذا كانت الرسومات غريبة وغامضة نوعًا ما، أعتقد أن قصة غامضة وأسلوب لعب الألغاز يكون مناسبًا للعبة.
3) القصص
مع أن العكس هو ما يحصل غالبًا، بإمكانك البدء بقصة ما إما من خيالك أو قصة مشهورة، وتحويلها إلى فكرة للعبة.
بالطبع، يجب أخذ إذن ناشر القصة إذا كنت ستعتمد على قصته.
بالنسبة لأسلوب اللعب والرسم، يمكن استخدام أي أسلوب ما دام مناسبًا، وب”مناسبًا” أعني أن ذلك يعتمد على القصة.
مثلاً، إذا كانت القصة خيالية أو قصيرة وليس فيها تركيز على تفاصيل المواقع، بإمكانك الاكتفاء برسم ثنائي الأبعاد، وأسلوب لعب و عرض جانبي.
أما إذا كانت طويلة ومعقدة، فأسلوب رسم واقعي دقيق ونمط لعب من منظور ثالث للشخصية الرئيسة غالبًا ما يكون مناسبًا.
أشهر الألعاب التي اتخذت هذا الأسلوب هي The Witcher 3، فهي مقتبسة من قصة لكاتب بولندي، The Witcher.
وأيضًا، بعض القصص تكون مفيدة في أنها تحتوي على حكمة ما، فما رأيك أن نحول هذا إلى لعبة ترفيهية خفيفة، توضح الحكمة المعنية من القصة؟
4) العالم الخارجي:
حسنًا، ربما هذه بديهية، فكل الألعاب تقتبس بعض أجزائها من العالم الواقعي، لكنها تقتبس “بعض”، وليس كل شيء، من عالمنا.
صحيحٌ أن هناك الكثير من الألعاب التي تحاكي المركبات أو الأدوات التي نستخدمها، مثل محاكي الطائرات، وتكون هذه الألعاب واقعية ودقيقة فيزيائًّا.
لكن ماذا إذا أردنا صناعة لعبة عن عملية ما تحدث بشكل طبيعي في عالمنا، بشكل يحاكي هذه العملية واقعيًّا؟
أو مثلاً محاكاة لنظام بيئي، كالنظام البحري، وتكون أنت شخصية أساسية تتحكم وتؤثر في هذا النظام. (سمكة مثلاً؟)
معظم الألعاب التي تتخذ هذا الأسلوب والنهج تجد لها جمهورًا واسعًا، فالتعامل مع الطبيعة أمر جيد دائمًا.
لذلك ربما جرب النظر حولك وفكر: هل هناك شيء واقعي قريب مني بإمكاني اقتباس فكرة منه؟

لا تتجاهل التقنيات الجديدة
التقنيات الجديدة التي تظهر وتنشهر غالبًا ما يكون هناك سبب وجيه لشهرتها، وبالنسبة للألعاب، هي بالتأكيد وفرت تجربة رائعة للاعبين.
مثلاً، تقنية الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR، ما إن انتشرتا حتى بدأت الألعاب التي تعتمد عليهما تتزايد في العدد والشهرة.
وهي حقًّا تفتح آفاق وأبواب جديدة ومميزة للألعاب، وبالتأكيد لو فكرت قليلاً سوف تخطر على بالك فكرة لأسلوب لعب ما يعتمد على ال VR، AR أو MR.

وأيضًا، شركة Nintendo من أكثر الشركات التي تهتم بهذا الموضوع، فكل جهاز جديد منها يجلب معه العديد من التحديات والفرص للإبداع من المطورين..
مثلاً، فكر كيف يمكنك الاستفادة من خيار اللعب باستخدام أدوات التحكم الجديدة في جهاز Nintendo Switch، وتوظيفها في أسلوب لعب جديد مبتكر.

التعلم عن طريق … ألعاب الفيديو؟
أعتقد بأننا ما زلنا لم نحقق استفادة كافية من الألعاب، فمعظم الألعاب تُعتبر مضيعة للوقت من قبل المجتمع،
بعض الألعاب حقًا كذلك، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك أي فائدة من الألعاب مستبقلاً..
فكما أن بعض الأفلام أو المسلسلات تكون مفيدة لفئة معينة، ومثل ما يتم استخدام الرسوم المتحركة في التعليم أحيانًا، يمكن لنا أن ندمج طابع مفيد جديد مع الألعاب التي نطورها،
مثلاً، يمكن أن نضيف عناصر تساعد اللاعب على فهم أساسيات علم من العلوم، كالكيمياء، بينما اللاعب يستخدمهم دون أن يشعر أنه يدرس ويتعلم.
ولا أعني بذلك ألعاب ألغاز الكلمات والأحرف، أو ألعاب اختبارات الحساب والجبر، التي تكون خالية من خواص الحماس والتفاعل.
وإنما دمج أنماط اللعب المعتادة كالسباق والرياضة والقتال وألعاب المِنصات (Platformer) مع ألعاب الألغاز، واتباع أسلوب متسلسل في توصيل الأفكار العلمية بشكل حدسي.
وهكذا الألعاب قد تجد طريقها لتصبح عنصرًا أساسيًأ من أدوات التعليم، (بعد أمد طويل، بالطبع)
أعلم أن هذه مجرد فكرة غير مدروسة، ولكن قد تمت المحاولة فيها سابقًا، ومن بعض الأمثلة الألعاب:
- While(true) Learn – بناء أنظمة ذكاء إصطناعي
- Shenzhen IO – بناء دوائر كهربائية
- Prime Mover – حل المتاهات عن طريق بناء دوائر كهربائية
- Logic Bots – حل الألغاز عن طريق بناء روبوتات
لكي تقوم بالتأكد أن الفكرة التي تم اختيارها جيدة حقًا، يجب تجربتها فعليًّا، وسوف نتعرف في المقال القادم على أسرع وأسهل الطرق لفعل ذلك عن طريق بناء نسخة تجريبيبة.